إن المتأمل في واقع المسلمين اليوم يلحظ أن كثيرا منهم يعيشون حالة من الانهزام النفسي أمام (الآخر) المتقدم ماديا والمنتكس روحيا.. ومن صور وتجليات ذلكم الانهزام النفسي:
التقليد الأعمى للغرب، ليس في الأخذ بأسباب الرقي والتقدم المادي من علم وصناعة وابتكار واختراع... بل في كل ما هو تافه وسافل، بل وحتى في بعض الأمور المرتبطة بالملة المنحرفة لديه، والمصادمة لقيمنا وتعاليم ديننا.. ومن ذلك: (الاحتفال برأس السنة الميلادية).
فلقد ذاعت وانتشرت هذه البدعة النصرانية، للأسف الشديد، في أوساط كثير من المسلمين: أفرادا وأسرا وجماعات، وعنوا بذلك اليوم عناية فائقة، بل واتخذوه عيدا لهم!! فتراهم كلما اقترب رأس السنة الميلادية الجديدة ينشغلون بها ويتهيؤون لها.. وعندما تحل تلكم الليلة الموعودة يحيونها بنفس الطريقة التي يحييها بها النصارى، حيث يتبادلون أثمن الهدايا وأجمل التهاني والتحيات والتبريكات، ويحرص كثير من المستلبين والمنهزمين نفسيا منهم على أخذ صور لأفراد أسرهم وخاصة من الأطفال مع المتقمص لشخصية (بابا نويل) بقناعه الكاريكاتوري ولحيته البيضاء وجبته الحمراء وعصاه الطويلة، قصد التبرك.. إضافة إلى إقامة الحفلات المائعة وتنظيم سهرات الرقص الخليع والغناء الماجن الذي يعيش على أرض الغرائز والشهوات ويحدو العواطف الرخيصة..
وهكذا تقضى وتملأ وتلوث تلكم الليلة المسهورة بأنواع شتى من المنكرات والفواحش.. فترى وتسمع السكارى يصيحون في بعض الشوارع والأزقة، وترتفع أصواتهم بالسباب والشتائم وغير ذلك من ساقط القول وبذيء الكلام.. بل وتلفي بعض هؤلاء المخمورين يسوقون السيارات وهم على هذه الحال من السكر العلني، ويعربدون بها في الشوارع، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى وقوع حوادث سير مفجعة ومآسي اجتماعية مختلفة.. وتسمع في أماكن مخصوصة موسيقى صاخبة تؤرق العيون الهاجعة وتؤذي أصحاب القلوب الخاشعة...
كيف يصح في عقل مسلم أن يوافق النصارى في ضلالهم وغيهم، ويشاركهم في أعيادهم واحتفالاتهم (الدينية)، وبهذه الطريقة الهجينة؟!
ثم إن مما ينبغي أن يعلمه كل مسلم أن احتفال النصارى أنفسهم بميلاد المسيح عليه السلام ليس له أصل في المسيحية قبل أن تتعرض للتحريف، ولا ينبني على أي دليل تاريخي، فلا يوجد دليل البتة على ارتباط ميلاد المسيح بشهر معين أو بيوم محدد.. وإنما ورث النصارى تقديس هذه الأيام، وخاصة يوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر، الذي يزعمون أنه اليوم الذي ولد فيه (يسوع)، من الوثنيات القديمة وخاصة الرومانية.
فلقد كان هذا اليوم مقدسا عند معظم الشعوب الوثنية القديمة..
فهو اليوم الذي ولد فيه الإله (سول إنفكتوس) حسب اعتقاد الروم، قبل ميلاد المسيح بزمن طويل، ولذلك كانوا يحتفلون به ويتخذونه عيدا يسمونه عيد (الساتورناليا). وهو اليوم الذي ولد فيه الإله (جانغ تي) حسب اعتقاد الصينيين القدماء. وهو اليوم الذي ولد فيه الإله الهندوسي (كريشنا)، والإله الانجلوساكسوني (جاووايول)، والإله الإسكندنافي (ثور)...
وبمناسبة احتفال الروم سنويا بهذا اليوم، كما سلف، اختاره الإمبراطور الروماني (قسطنطين) في القرن الرابع الميلادي كميلاد لـ(يسوع)، ومن ثم استمر احتفال النصارى به إلى يوم الناس هذا..
ألا فليع كل مسلم هذه الحقائق، وليربأ بنفسه عن المشاركة في الاحتفالات التي تقام بهذه المناسبة التي لا تمت إلى ديننا وأعرافنا بصلة. وليعلم أن علماء الإسلام قاطبة قد أصفقوا وأجمعوا على تحريم مشاركة النصارى في هذه المناسبة الدينية بالنسبة لهم، لما في ذلك من تبعية وتقليد أعمى؛ ولأن الانخراط في مثل هذه الاحتفالات من قبل فئات من المسلمين يمثل نوعا من الاستلاب الديني والثقافي والحضاري، ويدل دلالة واضحة على مسخ الشخصية وذوبانها وعلى الانهزامية والدَّوران في فلك التّبَعية الذليلة العليلة للغرب وللحياة الغربية، وهذا ما لا يرضاه لنا ديننا الحنيف.. فنحن أمة متميزة، نحن خير أمة أخرجت للناس، لنا حضارتنا ولنا تاريخنا، ولنا من الأعياد ما يغنينا عن الانخراط في احتفالات لا تمت إلينا بصلة.
وقد حذرنا الشارع الحكيم غاية التحذير من اتباع اليهود والنصارى وتقليدهم وموالاتهم، ومن ذلك مشاركتهم في أعيادهم الخاصة بهم. قال تعالى: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} وقال سبحانه: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض. ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين}.ومعنى الولاية المذكورة في الآية: إظهار النصرة والمحبة والاتباع لهم في منهاج حياتهم.
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «"لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا ذراعا، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لاَتّبَعْتُمُوهم". قلنا: يارسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟!"». وفي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تشبه بقوم فهو منهم».
وهنا لابد من التنبيه على أن التشبه الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث هو التشبه بغير المسلمين فيما ينبغي البراءة منه، وهو ما يختصون به من أمور دينهم وما كان شعارا لهم، ومن ذلك "الاحتفاء برأس السنة الميلادية"؛ لأنه مرتبط بدينهم. هذا هو المعنى الصحيح للتشبه، ولا يدخل فيه موافقتهم في الأمور العادية، وخاصة إذا لم تكن خاصة بهم أو إذا أتاها المرء بغير نية التشبه؛ لأن كثيرا من المتدينين اليوم يلتبس عليهم الأمر، فيخلطون في هذا الموضوع بين ما يرتبط بالدين وما يتعلق بالعادة.
هذا، وإذا كان النصارى، وغيرهم من أصحاب الملل والنحل المنحرفة، يتجاهلون أعيادنا ومناسباتنا ولا يحتفلون بها ، بل كثير منهم يستهزئ بها، فما بالنا نحن نحتفل بمناسباتهم (الدينية) ونحييها على سنتهم؟!.
وأكاد أجزم أنه لم يرض عنا النصارى يوما من الأيام ما رضُوا عنا في هذا الزمان مصداقا لما أخبر به ربنا سبحانه بقوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أخبر في الحديث الصحيح بظهور المقلدين من أمته للمخالفين لهم في الملة، فقال: «"لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بِأَخْذِ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع"، فقيل: يارسول الله ، كفارس والروم؟ فقال: "ومن الناس إلا أولئك؟!"» رواه البخاري من حديث أبي هريرة. والأخذ: هو السيرة، يقال : أخذ فلان بِأَخْذِ فلان، أي سار بسيرته. والمعنى أن هذه الأمة ستسير بسيرة الأمم قبلها كاليهود والنصارى...
وتأكيدا لما سبق، أقول ناصحا: إن من الواجب على كل مسلم أن يعتز بدينه وعقيدته، وأن ينأى بنفسه عن مشاركة النصارى، اختياريا، في الاحتفال بهذه الأيام، وخاصة ليلة رأس السنة الميلادية. وعليه أن لا يكون إمّعة ، لا رأي له ولا عزم ، يقلد غيره تقليدا أعمى، ويقول: أنا مع الناس إن أحسنوا أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، بل عليه أن يستخدم عقله، ويوطن نفسه، بحيث إن أحسن الناس أحسن، وإن أساؤوا تجتنب إساءاتهم، وعليه قبل ذلك وبعده أن يسترشد بتعاليم دينه الحنيف، ويحرص على الاستقامة عليها، ولا يجاري المنحرفين في انحرافهم ولا الضالين في ضلالهم... ثم عليه أن يدرك ويستيقن أن ما يرتكب في تلكم الليلة من المنكرات والموبقات يتبرأ منها ومن مقترفيها سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام الذي تتم باسم ميلاده تلكم الاحتفالات الصاخبة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يرد هذه الأمة إلى دينها ردا جميلا، لكي تنعتق من أغلال وإسار التبعية العمياء لغيرها، وتستعيد خيريتها وتميزها وريادتها، وتتبوأ المنزلة السنية التي بوأها الله إياها، وهي: الشهادة على الناس والقيادة لهم. اللهم آمين.
0 لا يوجد تعليق "أنا لن أحتفل برأس السنة الميلادية لأنني مسلم "
إرسال تعليق